تفجِّر أحداث التاريخ طاقات الشعراء، وهكذا عاش الشعر في رحاب التاريخ، وقد بعث الشعر حمية المقاتلين وشدّ من عزائمهم وأثار حماستهم ورفع راية الجهاد وردّد أناشيد البطولة والتضحية والفداء في سبيل الله ورفع كلمته ونصرة دينه، وهكذا ذهب زكي المحاسني إلى ان أدب العرب وشعرهم ما كان في زمن من أزمانهم بمعزل عن قضايا تاريخهم. ومنذ كانت الحرب في حياتهم تدفق الشعر على ألسنة شعرائهم يجسّد مواقفهم من أحداثها ومجرياتها. إن شعر حروب الردة من هذه الزاوية يبين الارتباط ما بين الشعر وأحداث التاريخ، وقد تناول الكاتب مظاهر هذا الارتباط بالتحليل مستعينًا بدراسة مصادر هذا الشعر والدراسات النقدية والتاريخية المتصلة به. ومن أهم تلك المظاهر الدقة في تسجيل الوقائع، وما يتضمنه من معلومات مفصلة لا تتوافر في كتب التاريخ مما يشير إلى قدرة الشعراء على تطويع الشعر لاستيعاب أدق الجزئيات. واستشهد بما قيل من شعر في اقتحام دارين، وهي جزيرة قريبة من البحرين، وقد التجأ إليها المرتدون من بني بكر بن وائل بعد أن هزمهم المسلمون في البحرين بقيادة العلاء بن الحضرمي الذي شجع المسلمين على اقتحامها. واقتبس من أشعار عفيف بن المنذر، وكراز النكري، وقيس بن عاصم المنقري. وقد أبرز في أشعارهم مظاهر الواقعية في تصوير الوقائع دون مبالغة أو تهويل، والحرص على ربط الواقعة بالنتيجة من خلال مقتل الخصم وهزيمة المرتدين. وورد في بعض القصائد ميل إلى أسلوب الحكاية والحوار وإضفاء طابع الحركة والحيوية على الواقعة. وقد تطرق الكاتب إلى مقتل زعماء المرتدين بما فيهم مسيلمة الكذاب، وما قيل في ذلك من شعر سجل الحدث التاريخي في توازن بين الدقة وبين مطالب الفن الشعري وجمالياته.
|