دراسة أدبية لمسيرة الشعر العربي، هدف كاتبها إلى تقصي مدى خروجه عن قواعد الخليل منذ عصر الجاهلية، وقد رجع لكتب تاريخ الأدب ونقده والشعر والشعراء العرب. واسـتهل بتناول الخروج عن الوزن الواحد للقصيدة مستشـهدًا بقصيدة لعبـيد بن الأبرص، عـدّها التبـريزي إحدى المعلقات العشر، وقد أشار إلى أن قدامة بن جعفر لحظ خروج أبيات منها عن الوزن الخليلي، فقال: إن في هذه القصيدة أبياتًا "قد خرجت عن العروض ألبتة"، وأطلق مصطلح "التخلع" - وهو من عيوب الشعر - على ما فيها من اضطـراب الوزن وفرط التزحيـف، كما رأى الأخفـش وأبو عبـيد المرزباني أن هـذه القصـيدة شعر غير مؤتلف البناء، وعلى الرغم من هذه المواقف فإن صفة الشعر لا تنفى عن قصيدة عبيد، ولا تُنكر جودة معانيها، وقد بيّن الكاتب أن أمر القصيدة غير ما ذهب إليه قدامة في نقده لها للإفراط في استخدام الزحاف من وجهة نظره؛ إذ إن اختلاف وزنها عن معهود الأوزان ليس لما فيها من زحـاف، وإنمـا لأخذ الشـاعر بفـكرة المزج بين البحـور وهذا ما يُرى جليًا في القصيدة، واستشهد بأبيات من القصيدة ليثبت أن فيها أوزانًا شعرية سبعة تدل على مزج الشاعر للأوزان في قصيدته، وخروجه على قواعد العروضيين بالنسبة إلى أوزان الشعر وما فصلوه من حالات تخصّ عروض البيت أو ضربه، فالبيت الواحد يختلف وزنه من شطر إلى آخر، وكأن الشاعر قد أخذ بنظام الشطر، ومثل قصيدته قصيدة الشاعر الجاهلي الأسود بن يعفر، حيث ينوع أوزانها حتى أنه ليأتي بأربعة أوزان في قصيدة من خمسة أبيات، وبحث الكاتب جوانب الخروج عن أوزان الخليل وعدّها ليست القول الفصل في موسيقا الشعر، وقد قال الزمخشري: "والنظم على وزن مخترع خارج على أوزان الخليل لا يقدح في كونه شعرًا، ولا يخرجه عن كونه شعرًا"؛ وكان هناك زيادة ونقصان في بحور الشعر التي استنبطها الخليل، وقد أوضح الكاتب أن هدفه فتح باب البحث في الأوزان الشعرية؛ ليتسع المجال لاستيعاب التطوير والتجديد في فن الشعر، علمًا بأن الخليل قد استخرج أوزانه من جزء محدود من الشعر العربي.
|