يتناول الكاتب دور الوراقين والنساخين في الحضارة العربية الإسلامية لسببين: أولهما أن دراسة المواد التي دونت عليها كنوز التراث العربي لم تلق من اهتمام الباحثين العرب القدر الذي لقيته من المستشرقين، وثانيهما مرتبط بأهمية الموضوع ومحاولة الاعتماد على الأدب العربي كمرآة للحياة العربية، والمؤرخون لم يفيدوا من دراسة الأدب كمصدر من مصادر التاريخ، كما أن الدارسين للأدب العربي قلما استندوا إلى التاريخ لفهم خلفية النص الأدبي والشعري المعبر عن روح العصر والمجتمع، ورجع الكاتب إلى مصادر التراث والتاريخ والدراسات الاستشراقية المتصلة بموضوعه. وقد استهل تناوله بالرجوع إلى مادة "ورق" في المعاجم العربية، وأشار إلى أن كلمة "ورق" جاءت أصلاً من ورق الشجر واستخدم ورق الشجر كوسيط للكتابة قبل الورق المصنوع، أما كلمة "ورّاق" فتعني الرجل كثير الدراهم، كما تعني العامل في صناعة الورق، كما أن "مورّق الكتب" هو الذي يحترف الوراقة التي يشمل نشاطها نسخ الكتب وخطها وتذهيبها وبيعها. وقد استخدم العرب للكتابة غير ورق الشجر اللخاف وهي الحجارة البيض الرقيقة، وعسب النخل وهي الجريد لا خوص فيه، والجلود، وعظام الحيوانات، والنسيج، وألواح النحاس والخشب، ولقد عرف الصينيون صناعة الورق، وتعلمه العرب عن صناع الورق الصينيين الذين وقعوا في الأسر عند سقوط سمرقند سنة 712م في أيدي العرب، وكان الورق الصيني يُسمّى "الكاغد"، وكان الورق يصنع في القرن الثالث الهجري في بلاد ما وراء النهر، وفي القرن الرابع الهجري وجدت مصانع الورق في دمشق وطبرية وطرابلس الشام، لكن سمرقند ظلت أكبر مركز لصناعة الورق. وكان أول ظهور للكاغد أو الورق في مكة المكرمة سنة 707م، وظهر في مصر سنة 800م، وفي الأندلس سنة 950م، وفي القسطنطينية سنة 1100م، وفي صقلية سنة 1102م، وفي إيطاليا سنة 1154م، وفي ألمانيا سنة 1228م، وفي انجلترا سنة 1309م. وصنع العرب الورق من الكتان والنباتات الليفية، وهم أول من صنعوه من القطن، وازدهرت صناعة الورق بدمشق، وازدهرت حرفة الوراقة والنسخ والتدوين وإنشاء خزائن الكتب وبلغت أوج ازدهارها في القرن الرابع الهجري. وتطرق الكاتب إلى أهم المكتبات وسير الوراقين والنساخين وأجورهم والوشائج بين أهل العلم والوراقين، مما يشير إلى مكانة الوراقين البارزة في الحياة الثقافية العربية الإسلامية.
|