يرى ابن كمال أن اللغوي يبحث عن الكلمة من جهة مادتها في علم متن اللغة وهيئتها في علم الصرف ونسبة الألفاظ بعضها إلى بعض في علم الاشتقاق، أما صاحب علم المعاني فإنه يبحث عن الألفاظ من جهة فصاحتها وحسنها، فوجه المشاركة بينهما أن كليهما يبحث عن الألفاظ المستعملة في كلام العرب، ويفترقان في البحث عن فصاحتها أو عدمها، ولذلك عدّ صاحب المعاني استعمال الكلمة في كلام العرب هو الأساس في عدّها فصيحة ولو لم يكن لها وضع في اللغة. وقد أوضح ابن كمال أن العرف في الاستعمال اللغوي للمجتمع له شأن وميزان بمثابة ميزان وضع المعاني للألفاظ في اللغة، ولهذا نرى مجامع اللغة في البلاد العربية كثيرًا ما تجوز استعمال كلمة لا وضع لها في اللغة، وذلك للاعتداد بالاستعمال في لغة المجتمع؛ لأن اللغة بنت المجتمع، ويظهر ذلك في الإبدال، فإن بعض اللهجات تبدل كثيرًا من حروف الكلمة وتصبح الكلمة المبدل منها هي الشائعة، مثل كلمة "الشلّة" بالشين المعجمة، فإنها مبدلة من الثاء، والصواب في اللغة "الثلّة" ومعناها الجماعة، قال تعالى: "ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين". [الواقعة 39 - 40] ويشمل النحو عند الجرجاني علم المعاني، وينظر في القواعد النحوية والجودة الفنية. ومعاني النحو عنده درجتان، درجة تجري في حدود الصحة والفساد ولا تتعداها، ودرجة تجري في ميدان أرحب هو ميدان الفن، وهذه هي التي يهتم بها من معاني النحو. ويرى ابن كمال أن النحوي يبحث عن الجملة من جهة هيئاتها التركيبية صحة وفسادًا، ودلالة تلك الهيئات على معانيها الوضعية على وجه السداد. وصاحب المعاني يبحث عنها من جهة حسن النظم، أي من الناحية الفنية والإبداع في معاني التركيب، ثم يعود فيربط بين النحو والمعاني. وموقف ابن كمال وجيه حين جعل صاحب المعاني يعتمد على النحو، ولن يكون هناك نظم صحيح إلا إذا اعتمده النحوي من حيث التركيب وبعده عن التعقيد، ومن ثم كانت المشاركة بينهما. وهكذا فإن صاحب المعاني يبحث في التركيب لا من جهة النحو فحسب، وإنما من جهة الحسن والقبح من الصحة أو الفساد أيضًا، إذ إنهما يشتركان معًا في البحث عن الصحة أو الفساد، ثم ينفرد صاحب المعاني بالبحث عن الناحية الفنية .
|