يتناول الكاتب أثر فن المقامات في الأدب الإسباني وأبعاده، وقد رجع إلى المقالات والبحوث العربية والاستشراقية التي تناولت الموضوع. ومن وسائل انتقال فن المقامات إلى إسبانيا فتح المسلمين للأندلس عام 92هـ/711م، واستقرار الحكم العربي الإسلامي واستمراره هناك حتى سقوط غرناطة عام 898هـ/1492م، ومدرسة المترجمين في طليطلة التي كان لها دور كبير في ترجمة تراث أهل الأندلس الذين حذوا حذو إخوانهم المشارقة في إنشاء المقامات وتأليفها، فظهرت مقامات الأندلسيين قريبة الشبه بمقامات المشارقة، وكان ابن شهيد الأندلسي قد اشتهر بتأليفه لرسالة التوابع والزوابع، وهي متأثرة بالمقامة الإبليسية للهمذاني، ورسالته في الحلواء متأثرة ببعض مقامات الهمذاني كالمقامة المضرية، والبغدادية. وقد عني الأندلسيون بمقامات الحريري وفضلوها على مقامات الهمذاني، ذلك أن الحريري هو الذي طوّر المقامات نحو الأحسن والأجود، وأن الحريري كان حيًا وقت بدء الرحلات الأندلسية - المشرقية، وقلّد عدد من الأندلسيين مقامات الحريري ومنهم أبو طاهر محمد بن يوسف السرقسطي المعروف بابن الأشتركوني المتوفى سنة 538هـ، وقد ألف خمسين مقامة في قرطبة، وقد حذا فيها حذو الحريري من حيث المضمون والشكل والعدد، وتميزت بوجود شخصية ثالثة مهمة فيها إلى جانب البطل والراوي، وفي ذلك تطوير لمقامات الحريري، ولعل أشهر شُرّاح مقامات الحريري في الأندلس على الإطلاق هو أحمد بن عبدالمؤمن بن موسى القيسي الشريشي المتوفى سنة 618 هـ. ونوقش تقليد اليهود الإسبان للمقامات لأنهم أُعجبوا بالمقامات العربية وصياغتها وكان منهم سليمان بن زقبيل القرطبي اليهودي. وكذلك يهوذا بن شلومو الحريزي، وإبراهيم بن صمويل البرشلوني، ويعقوب بن العازار الطليطلي. وفي القرن السادس عشر الميلادي ظهر في إسبانيا روايات الصعاليك التي تأثرت كثيرًا بالمقامات. وخلص الكاتب إلى أن أثر المقامات كان عميقًا وواضحًا في تكوين الرواية الإسبانية، وتطور الرواية الأوربية الحديثة.
|