يتناول الكاتب الوحدة في العمل الشعري لأهميتها من زاوية الصياغة والفن الشعري، ويرى أكثر نقاد هذا العصر أن نظرة النقاد العرب القدماء إلى الوحدة في العمل الشعري كانت قد اتجهت إلى وحدة البيت لا وحدة القصيدة، فإذا وُجِد من بين النقاد والقدماء من يميل إلى تفضيل وحدة البيت على وحدة القصيدة، فإننا إلى جانب ذلك نجد نظرة أخرى تتجه إلى تحقيق نوع من ائتلاف القصيدة وتماسكها، ولكن من خلال تعدد أجزائها وموضوعاتها، ونجد من النقاد القدماء من يطالب بتحقيق هذا التلاحم بين أجزاء القصيدة الواحدة إلى جانب وحدة أجزاء البيت الواحد منها، فتركز مفهومهم لوحدة العمل الشعري على الربط بين أجزائه وأغراضه المختلفة، أو حسن الوصل بين أقسامه، بحيث لا يبدو الانتقال من غرض إلى آخر مفاجئًا أو مبتور الصلة عما قبله وبعده، حتى تبدو القصيدة متماسكة مترابطة كأنها الجسد الواحد، أو الخطبة البليغة والرسالة المسبوكة المحكمة. وكان منهج القصيدة العربية القديمة في الغالب أن تستهل بالأطلال، فالنسيب، فوصف الرحلة والراحلة وما في ذلك من متاعب ومشاق، ثم المدح أو أي غرض رئيس آخر للقصيدة، والشاعر المجود في نظر ابن قتيبة من سلك ذلك الأسلوب في بناء قصيدته وعدل بين الأقسام المذكورة، وكان مذهب فحول الشعر الأوائل الانتقال المفاجئ من غرض إلى آخر مما يقطع أوصال القصيدة، لكن أجود الشعر ــ كما يرى الجاحظ ــ ما كان متلاحم الأجزاء قد أُفرغ إفراغًا واحدًا وسبك سبكًا واحدًا، وفي القرن الرابع الهجري نرى في آراء أبي علي الحاتمي ما يؤيد وحدة العمل الشعري وأن على الشاعر أن يتحرى لقصيدته أحسن الابتداء، وكذلك أحسن الانتهاء عند بلوغ حاجته، وأن تكون القصيدة مجموعة متماسكة في أجزائها المكونة من الابتداء والوسط والانتهاء، وفي رأي الحاتمي نقض لمنهج القصيدة العربية القديمة بما فيها من تعدد الموضوعات والأغراض، وانتهى الكاتب إلى أن الحاتمي سبق خليل مطران، وعباس العقاد في الدعوة إلى الوحدة العضوية في القصيدة العربية.
|