الاعداد السابقة
|
مكة المكرمة هي المدينة الأولى في الإسلام؛ ففيها نشأ الإسلام وبرز، وفيها المشاعر المقدسة، فهي قبلة المسلمين؛ لذا فقد لقيت المدينة اهتمامًا بالغًا من قبل المسلمين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك الهند، حيث إن المسلمين فيها يتطلعون بشوق لزيارتها لأداء مناسك الحج والعمرة فيها، أو الإقامة هناك. وكان من بين الذين زاروها وأقاموا فيها، الرحالة رفيع الدين المراد آبادي(1)، الذي دوَّن رحلته عن الحجاز التي أقام فيها لمدة تقرب من السنتين، فوصف الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية هناك. وتأتي أهمية هذا البحث لجملة من العوامل، هي: أن البحث خصص لتناول تاريخ مكة المكرمة، المدينة الأولى من حيث الأهمية الدينية عند المسلمين، فهو يتناول المدينة المقدسة. كما أنه في حدود علم الباحث، لم يدرس في دراسة علمية مستقلة؛ ومن ثم فإنه يعد بكرًا، ولم يطرقه من قبل أي باحث. كما أن الرحلات الهندية إلى الجزيرة العربية عامة، والحرمين خاصة، في التاريخ الحديث والمعاصر، لم تلق العناية والاهتمام من قبل الباحثين، على الرغم من وجود ما يقرب من مائتي رحلة آنذاك، كتبت باللغتين الأردية والفارسية، إذ إن تلك الرحلات تحتاج إلى فرق متخصصة وجهود جبارة لترجمتها ودراستها وتحليلها. ويمكن لهذه الرحلات أن تقدم إضاءات جديدة عن أوضاع الحرمين الشريفين، وخاصة مكة المكرمة(2)، من أجل استكمال الصورة التي رسمتها الرحلات الغربية عن المنطقة، وتصحيحها(3). وتعد رحلة المراد آبادي، من أهم الرحلات الهندية إلى الجزيرة العربية، التي ألفت في أوائل القرن الثالث عشر الهجري/ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي؛ فهي قد كتبت قبل نحو قرنين وربع القرن، وتمثل نموذجًا للرحلات التي كتبت باللغة الفارسية، فثمة أسباب وراء ذلك، أنها اللغة الأولى في الهند، إذ كانت لها مكانتها بين العلماء والمثقفين وتتمتع باحترامهم؛ لذلك، فإن الرحالة الذين ارتحلوا إلى الجزيرة العربية في الفترة من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، حتى القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، كانت لديهم قدرة ومهارة للتعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم باللغة الفارسية أكثر من اللغة الأردية، التي كانت لغة العامة(4)؛ ولأنها قد كتبت من قبل رحالة مسلم متضلع بالعلوم الشرعية، يتقن اللغات: العربية، والفارسية، والأردية، وقد احتوت الرحلة على معلومات قيمة ودقيقة، لا غنى للباحث في تاريخ مكة المكرمة في فترة الرحلة الاستغناء عنها؛ فمن هنا جاءت هذه الدراسة للوقوف على هذه الرحلة ودراستها. أولاً: الرحالة والرحلة أظهر مسلمو الهند، شأنهم في ذلك شأن بقية إخوانهم من المسلمين في أنحاء العالم، اهتمامًا واضحًا بالحرمين الشريفين، منذ فترات مبكرة من التاريخ الإسلامي، وإن تجلى ذلك بصورة واضحة في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، فصاعدًا. وقد تجسد ذلك الاهتمام بأشكال مختلفة، من بينها: أداء مناسك الحج والعمرة، وإرسال الهدايا والأموال للإنفاق على الأماكن المقدسة، والقائمين على أمورها، وعلى الفقراء فيها(5)، إضافة إلى العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين الهند والحجاز(6). ويهمنا من تلك المواضيع رحلات الحج إلى الحجاز، وخاصة أولئك الذين دونوا رحلاتهم، ومن أقدمها في فترة التأريخ الحديث (923-1332هـ/ 1517-1914م)، رحلة عبدالحق محدث الدهلوي، المعنونة بـ "جذب القلوب إلى ديار المحبوب"، حيث زار الحرمين الشريفين عام 988هـ/ 1581م(7). كما أن محمد معصوم قام برحلة إلى الحج في الفترة بين عامي 1067-1069هـ/ 1656- 1658م، وقد دونها تحت عنوان: "يواقيت الحرمين". وقد وصف فيها طريق الرحلة التي بدأت من الهند إلى اليمن
|
|