شهدت الجزيرة العربية في القرن الماضي قيام دولة جديدة، ففي عام 1319هـ/ 1902م، استرد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مدينة الرياض، إيذانا بتأسيس المملكة العربية السعودية، واستطاع أن يوحدها بعد شتات، ويجمع مناطقها المختلفة تحت راية واحدة، وأن يحدث فيها نهضة شاملة في جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية كافة. ولقد صاحب ذلك اكتشاف النفط عام 1352هـ/ 1933م وتدفقه بكميات تجارية عام 1357هـ/ 1938م، وزيادة الموارد المالية للدولة. وبذلك رسخ الملك عبدالعزيز الوحدة والأمن والازدهار الاقتصادي في بناء الدولة السعودية ودعم القضايا العربية. يأتي هذا البحث للكشف عن دور الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في بناء المملكة العربية السعودية من خلال دعمه للمشاريع الخيرية، وتوضيح دور النفقات الخيرية في إنشاء وإعمار دور الأيتام والعجزة لإيوائهم وتعليمهم ورعايتهم صحيًا، ومساعدة المنكوبين وقت الكوارث، وإنشاء المدارس والإسهام في ترميمها، والكشف عن دور الحجاج وبعض رجال السياسة والحكم في البلاد العربية والإسلامية في الإنفاق على المشاريع الخيرية، وخاصة على الحرمين الشريفين، وإبراز موقف المملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا من القضايا العربية من خلال دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والشعب السوري في مقاومة الاستعمار الفرنسي ماديا ومعنويا. ومما دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أن النفقات الخيرية في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز على المشاريع الخيرية لم تحظ باهتمام الباحثين، لأن أغلب الدراسات التاريخية في عهده ركزت على الجانب السياسي من جهة، ولندرة المصادر التاريخية التي توثق للنفقات الخيرية في المملكة من جهة أخرى. ومع ملاحظتنا وجود مادة دقيقة ووفيرة في صحيفة أم القرى، تتطرق فيها إلى النفقات الخيرية في عهد الملك عبدالعزيز، لم تلتفت إليها الدراسات التاريخية، وهو ما نراه إغفالاً لقيمة هذا المصدر الثمين. وخاصة أن صحيفة أم القرى قد أولت النفقات الخيرية اهتمامًا استثنائيًا، ونقلت كل الأخبار المتعلقة فيها من حيث قيمتها وأوجه إنفاقها في داخل المملكة، من تعمير الحرمين الشريفين، وبناء المساجد، ودعم التعليم والفقراء، وفي خارجها بدعم الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والسوريين بمقاومة الاستعمار الفرنسي، وكذلك أبرز المساهمين فيها: كالملك عبدالعزيز وأفراد أسرته، وحجاج بيت الله الحرام، وعدد من رجال السياسة والحكم في البلاد العربية