الاعداد السابقة
|
استكمل الباحث في هذه المقالة دراسة شخصية ذي القرنين، مستندًا في هذه الدراسة التاريخية إلى كتب التفسير والتاريخ، واستهل بعرض وجهة نظر تسعة من العلماء الذين رأوا أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني، فكان القاسمي في كتابه: محاسن التأويل أشدهم تحمسًا لوجهة النظر المطروحة، فقد ذكر عن الإسكندر الأكبر أنه قد "أصبح من الأوليات عند علماء الجغرافيا، وأما دعوى أنه كان مشركًا يعبد الأصنام، وأن قومه وثنيون، وأنه تلميذ أرسطو، فقد جاء في ترجمته أنه كان لا يعظم الأصنام التي كانت تعبد في ذلك الوقت..."، ولم ير الكاتب القاسميَّ ومن رأى رأيه على صواب، مع إقراره بأن هناك أوجه شبه بين الإسكندر المقدوني، وذي القرنين، وهي قيام كل منهما برحلات وفتوحات، وتشييد مدن، ولا يُنكر أن الإسكندر كان في بعض تصرفاته سمحًا كريمًا، وكان محبًا لخير وطنه ووحدته، لكن له تصرفات غاية في الفظاظة والقسوة، وكان يفعل ما يريد ليصل إلى غايته بأية وسيلة، وما كان يردعه وازع من خلق أو ضمير، ودعوى أنه مؤمن موحِّد باطلة لأنه كان يطلب من الناس السجود له وأجبر الكهنة على أن يعلنوا أمام الملأ أنه ابن الرب. ولهذا رجح الكاتب وجهة نظر وهب بن منبه أن ذا القرنين هو الملك المصعب بن الحارث لأسباب لغوية متصلة بالاسم واستخدامه (ذو) الشائعة في لغة عرب الجنوب، ولم يتوافر في سيرة المصعب ما يخالف ما ورد في القرآن، وهذا الرأي أقرب إلى الحقيقة ما لم يثبت عن المصعب ما يخالف الخبر القرآني، ثم بحث الكاتب في زمان ذي القرنين، وأشار إلى الاختلاف في تحديد الزمن الذي عاش فيه، وفي تحديد عمره، وتناول سبب تسميته بذي القرنين واعتماد تفسيراته على قرائن من "الاشتقاق اللغوي، والاستشهاد القصصي، والدافع الديني، والتصرف الذاتي"، وقد أورد الإمام أبو الفرج ابن الجوزي عدة أقوال في سبب تسميته بذي القرنين، ساق الكاتب منها اثني عشر قولاً.
|
|