الاعداد السابقة
|
تناول الكاتب مظاهر تعيين القضاة وأسبابه. لقد كان تعيين القضاة أحد الفروض التي قضت بها الشريعة، وذهب المفكرون المسلمون إلى أن الأصل في الخليفة أن يكون هو القاضي أيضًا، فإذا ما شغلته شئون الحكم عن شئون القضاء أوكل غيره به، أو فوّض أمير الإقليم الذي ينوب عنه في حكمه باختيار من يضطلع بأعباء القضاء، ولو خلا بلد من القضاة، فنصب أهله على أنفسهم قاضيًا، كان هذا التنصيب باطلاً إذا كان هذا البلد يتبع أحد الأئمة الحاكمين ، فإن خلا العصر من إمام، وتعذّر على أهل البلد الاحتكام إلى قاضٍ مقلَّد من إمام سابق، وارتضوا بأحد العلماء، قلدوه القضاء، واتفقوا على التعاون معه في تنفيذ أحكامه كان هذا التقليد صحيحًا. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بنفسه فيما يعرض عليه من منازعات، وعيّن قضاة في البلاد البعيدة عن المدينة مثل مكة المكرمة واليمن ، ووكل إلى بعض الصحابة النظر في قضايا معينة، واقتدى به الخلفاء في ذلك، واستمرّ الخلفاء يعينون قضاة العاصمة والأقاليم المختلفة إلى أوائل العصر العباسي، وسار على حذوهم الخلفاء الأمويون في الأندلس، والفاطميون في مصر، وتولى كثير من الولاة تعيين القضاة في الأقاليم التي يتولونها، وعندما أنشأ هارون الرشيد وظيفة قاضي القضاة وجعل مقره بغداد فوّض إليه اختيار قضاة الأقاليم التابعة للخلافة العباسية. وقد تخلو بعض الأقطار من القضاة مددًا متفاوتة وبخاصة أيام الفتن. وحرص الحكام أول الأمر على اختيار القضاة من العرب، ثم اكتسح غيرهم المنصب كغيره من المناصب المهمة. وكان الحكام يستشيرون في تعيين القضاة أهل الحلّ والعقد والعلماء ويُختار القضاة لمقدرتهم وعلمهم وتمسكهم بالحق ووعيهم وعقلهم وأدبهم ووفائهم وأمانتهم وشهامتهم وإخلاصهم للدولة والتوصية بهم.
|
|