الاعداد السابقة
|
تعد شواهد القبور إحدى مصادر التاريخ المهمة، فهي بالإضافة إلى ما تحويه من معلومات تاريخية عن حياة الأفراد ومكانتهم العلمية والاجتماعية تعد شاهداً موثوقاً بدلالاته على مستوى الحياة الاقتصادية والعلمية للفترة التي كتب فيها الشاهد، من خلال نوعية الخط وجماله وحسن تنظيم عباراته، فضلاً عن دلالتها وفصاحتها وقوة تأثيرها في القارئ الذي يتطوع بعد قراءته لمحتواها بالدعاء إلى الله - عز وجل - أن يمن بفضله وكرمه بالرحمة والغفران للمتوفى. ومن الشواهد المكية ما كتب عليه طلب الترحم والدعاء لصاحبه(1)، وتكشف هذه المعلومات بعض عادات المجتمعات في دفن الموتى وتقديم العزاء، ولا سيما المجتمعات الإسلامية التي يحث فيها الدين الإسلامي على تكريم الموتى والسير في جنائزهم والدعاء لهم. وكثيراً ما يعمد بعض المحترفين لنقش شواهد القبور في مكة المكرمة إلى نقش أسمائهم في آخر الشاهد(2) كنوع من الدعاية لمهارتهم الخطية والبيانية، بالإضافة إلى نوعية المادة المدونة عليها العبارات التأبينية وكبر حجمها أو صغره، مما يغري بالإقبال على مهنتهم عند الحاجة إلى مثل هذا العمل الذي اعتاد عليه الناس في العالم الإسلامي من القرن الأول الهجري وحتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري(3). وتبرز هذه الظاهرة إذا كان المدفن مشهوراً كمقبرة المعلاة التي تتوسط مكة المكرمة، التي شهدت منذ فجر الإسلام تدفق المئات بل الآلاف كل يوم في أفواج تتسابق لحمل الموتى من السكان أو الحجاج الوافدين من مختلف الأقطار، أو المشي في جنائزهم عقب كل فريضة من المسجد الحرام إلى المقبرة التي تبعد عن المسجد الحرام بأكثر من الميل الواحد؛ طلباً للمثوبة التي وُعِـدَ بها المشاركون من المسلمين في المواكب الجنائزية(4) في كل زمان ومكان.
|
|