الاعداد السابقة
|
ما فتئت الدولة الروسية ومنذ عهد القيصر بطرس الأكبر (1682-1725م) آخذة بالتوسع في مجالاتها الحيوية الآسيوية والأوربية حتى أضحت إمبراطورية عظمى لها سياساتها الدولية الخاصة بها. ولم يأت القرن التاسع عشر إلا وقد أصبحت فاعلاً رئيسًا في السياسة الدولية، تشارك في المنافسات الدولية من خلال صنع الأحداث ومزاحمة نفوذ الدول الأخرى وجعل تنافسها معها آلية للتأثير والسيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لاسيما خارج أوربا إذ كان التنافس في القارة الأوربية محكومًا بسياسة توازن القوى، تلك السياسة التي حكمت الوضع داخل أوربا، وكان أي إخلال بذلك التوازن سببًا لاندلاع الحرب فيما بين الدول الأوربية الكبرى. لذا كانت الإمبراطورية الروسية جزءًا من التحالفات والحروب والسياسات الأوربية. وإذا كانت الدول الأوربية الكبرى تتنافس على مناطق النفوذ داخل مناطق سيطرة الدولة العثمانية وعبر البحار والمحيطات فإن سياسة روسيا التوسعية اختلفت إلى حد كبير عن تلك التي اتبعتها الدول الأوربية الأخرى؛ فقد ركزت توسعها ومنذ عهد بطرس الأكبر على المناطق التي ترتبط بها جغرافيًا، ولم تتوقف عن توسعها إلا بالوقوف أمام حواجز طبيعية مثل: جبال پافير (في قرغيزستان و طاجيكستان) في توسعها جنوبًا أو المحيط الهادي في توسعها شرقًا أو بالاصطدام بدول قوية لا تملك القدرة على هزيمتها؛ مثل اليابان والصين والدولة العثمانية في بعض مراحلها، وهكذا لم تأت سنة 1885م حتى سيطرت روسيا على منطقة تركستان الواسعة في جنوبها مكملة بذلك عملية ممتدة لبناء إمبراطورية عظمى استغرق بناؤها مئات السنين. وإذا كانت روسيا تبني إمبراطوريتها وتؤدي دورها في السياسة الدولية من خلال المسرح الأوربي ومسرح الإمبراطورية العثمانية، فإنها لم تولِ خلال أغلب فترات القرن التاسع عشر كثير اهتمام بالمشرق العربي الذي كان جزءًا من الإمبراطورية العثمانية إلا بقدر ما يتعلق الأمر بالسياسات الأوربية تجاه الدولة العثمانية التي أصبحت الطرف الأضعف في المعادلات الدولية أو بقدر ما يتعلق بالارتباطات الدينية للروس في فلسطين أو الأماكن الدينية في المنطقة التي يعود الاهتمام الروسي بها إلى مرحلة تاريخية متقدمة عندما تم قبول المسيحية دينًا في روسيا سنة 988م.
|
|