الاعداد السابقة
|
دراسة أدبية بحثت في شعر العرب وتغني شعرائهم بالطبيعة بجميع مظاهرها التي شاهدوها في بيئاتهم، واستوحوا منها جميل الصور والأخيلة وألوان المعاني وموضوعاتهم في وصف الأرض والمناخ والبحر والغدران والنبات والحيوان والطير، وقد رجع كاتبها لكتب النقد الأدبي وفن الشعر ودراسات الإبداع الفني؛ واستهلّ بالحديث عن الموهبة الشعرية عند العرب، وهو يعني بها القدرة الفعلية على قول الشعر للتعبير عما في النفس، وكذلك القدرة على تذوق هذا الشعر، والطرب لسماعه، وتمييز جيده من رديئه؛ ويستند وجودها إلى توافر الاستعداد الفطري عند الشاعر، ثم الكاتب إلى الكتابات العربية التي تناولت فن الشعر، فالجرجاني رأى أن الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والذكاء والرواية، ثم تكون الدربة مادة له، ومن اجتمعت له هذه الخصال فهو المحسن المبرز، وبقدر نصيبه منها تكون مرتبته من الإحسان، ولا يقول المحدثون من النقاد وعلم النفس ما يخالف ذلك، ثم تحدث عن بيئة العرب، فقال: إنها كانت مذكية لشاعريتهم، فهي بيئة هادئة، بنجوة من رجات الأرض وكوارث الجو ومفارقات السطح الشاسعة، وبلاد العرب في شطر كبير منها منبسطة فسيحة مفتوحة، تولّد في نفوس أهلها الانطلاق في التعبير، والبوح بما في النفس؛ ثم إن اللغة العربية ذاتها لغة شعرية غنائية لأنها حافلة بالمفردات والمترادفات والمشتقات التي تسعف المعبِّر، وتطاوعه في الوزن، وتواتيه بالقافية، وهي دقيقة في دلالاتها، غنية بأساليبها المرنة في التقديم والتأخير، والذكر والحذف، والإيجاز والإطناب...، وغنية بالمجازات، وفي كلماتها رنين وجرس يلائم الشعر والموسيقا؛ وإذا كانت الفنون الجميلة تزدهر في ظلال التقدير والرعاية والحرية، فإن الشعر كان مقدرًا وكان مرعيًا أيما رعاية عند العرب.
|
|