الاعداد السابقة
|
تطرح هذه الدراسة تحليلاً تطبيقيًا للمفارقة على بعض النماذج الشعرية الإنجليزية التي يروم من خلالها الكاتب استبصار أهمية المفارقة بوصفها أساس اللغة الشاعرة لا مجرد محسِّن بديعي. وللفائدة، فقد أردف المترجم الدراسة بالتعليقات اللازمة، وعرَّف بالأسماء، وأشار إلى مظانّ النصوص الشعرية الواردة في هذه الدراسة. وتعد المفارقة لغة الفكر والرصانة والبراعة وسرعة الخاطر، وهي لغة ملائمة للشعر، والحقيقة التي يعبر عنها الشاعر لا يمكن فهمها إلا من خلال المفارقة. وقد استهل الكاتب بشعر ( وليم ورذرورث)، ورأى أن قصائده النموذجية قائمة على نوع من المفارقة التي لا تكتفي بتأسيس القصيدة، وإنما تخبر عنها وتمنحها شكلاً جوهريًا، وتوقف الكاتب عند قصيدته (على جسر وست منستر) فهي تكتسب قوتها من المفارقة التي تنبثق من خلالها القصيدة، فالمتكلم (الشاعر) في الحقيقة قد بغتته الدهشة، واستطاع أن ينقل شيئًا من دهشته إلى القصيدة، إنه لا يتصوّر أن في مقدور المدينة التي يصفها في قصيدته أن تتّشح بجمال الصباح كما يحدث ذلك لجبل مونت بلانك، وسنودن التي يبدو اتّشاحها بجمال الصباح أمرًا طبيعيًا، أما أن يحدث ذلك لمدينة لندن القذرة المحمومة فأمر غريب بالنسبة إلى الشاعر الذي يصور لحظة التعجب الذاهل في الصباح. والمدينة وقت رؤيته الصباحية لها قد استحقت أن ينظر إليها بوصفها كائنًا عضويًا وليس شيئًا آليًا فحسب، فلندن التي أنشأها الإنسان هي أيضًا جزء من الطبيعة، مضاءة بشمس الطبيعة، ومشرقة بجمال ذاتها، ونصف منازلها النائمة. وهو ينزع إلى جعلها في عداد الأموات، وفي اللحظة التي يرى الشاعر فيها المدينة في مظهر الموت، يتمكّن من وصفها بالكائن الحي الذي يَختلج بالحياة العضوية للطبيعة، مما يعكس وعي (وردزورث) بأهمية المفارقة. ثم تناول الكاتب نماذج شعرية لغيره من الشعراء. وليعرض صورة أخرى للمفارقة التي تتكئ على السخرية أكثر من اعتمادها على الدهشة، أضاف الكاتب أن المفارقة نابعة من طبيعة لغة الشاعر التي تمارس فيها الإيحاءات دورًا دلاليًا فعّالاً.
|
|